شروط التوبة

شروط التوبة

((شروط التوبة))
مقطع للشيخ فواز إزمرلي




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد أيها الأحباب الكرام، لا بد في موضوع التوبة من أن نذكر بعض شروطها حتى يتعرف المؤمن على احكام أبوابها، لأن كثيرًا من الناس يدعون أنهم يتوبون ويظنون أنهم قد تابوا، ولكنهم في الحقيقة لم يحكموا أبواب التوبة. فلا بد من معرفة أبواب التوبة وشروط التوبة حتى يغلب على ظننا أن الله قد قَبِل منا هذه التوبة، لأن التوبة التي لم تتوفر فيها شروطها فهي توبة معرضة للرد في وجه صاحبها. والله سبحانه وتعالى لم يأمرنا بالتوبة عمومًا، وإنما أمرنا بتوبة خاصة، فقال تعالى: ﴿يا أيُّها الذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلى اللهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا﴾. فأمر الله لنا بالتوبة ذكر فيه أن التوبة يجب أن تكون لله وإلى الله، وهذا يرشدنا إلى الإخلاص لله سبحانه وتعالى، فأي توبة لم تتوفر فيها هذه الشروط فهي توبة مردودة. والإخلاص هو أُس قبول العمل، فأي عمل لم يكن فيه الإخلاص أساسه فهو عمل مردود. ثم قال تعالى: ﴿تَوْبَةً نَّصُوحًا﴾، والنصح في التوبة هو تخليصها من كل غش وخلل ونقص وفساد، ومعنى ذلك أن نوقع التوبة على أكمل وجه. فلذلك قال عمر بن الخطاب: التوبة النصوح أن يتوب من الذنب ثم لا يعود إليه كما لا يعود اللبن إلى الضرع. وقال الحسن البصري: أن يكون العبد نادمًا على ما مضى مُجمعًا على ألا يعود فيه. وقال سعيد بن المسيب: توبة نصوحًا أي تنصحون بها أنفسكم.
فلذلك كل هذا الكلام وغيره يتضمن شروط التوبة ومعنى التوبة النصوح.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: النصح في التوبة يتضمن ثلاثة أشياء. الأول: تعميم جميع الذنوب واستغراقها بها، بحيث لا تدع ذنبًا إلا تناولته. والثاني: إجماع العزم والصدق بكليته عليها بحيث لا يبقى عنده تردد ولا تلوم ولا انتظار، بل يجمع عليها كل إرادته وعزيمته مبادرًا بها. الثالث: تخليصها من الشوائب والعلل القادحة في إخلاصها ووقوعها لمحض الخوف من الله وخشيته والرغبة فيما لديه والرهبة بما عنده… إلى أن قال رحمه الله: فنصح التوبة الصدق فيها والإخلاص وتعميم الذنوب بها.
ولقد ذكر العلماء رحمهم الله تعالى شرائط التوبة، وهي: النية الصادقة والإخلاص لله تعالى والندم والإقلاع والعزم على ألا يعاود الذنب ورد الحقوق إلى أصحابها. أما عن الإخلاص فلا تصح التوبة إلا بالنية الصادقة وبالإخلاص لله سبحانه وتعالى، لأن التوبة من أعظم العبادات الواجبات، وكل عمل إذا لم يكن مصحوبًا بالإخلاص فهو مردود في وجه صاحبه. لذلك قال ابن عباس: كم من تائب يرِد يوم القيامة يظن أنه تائب وليس بتائب، لأنه لم يحكم أبواب التوبة ؛ فالإخلاص من أهم أبواب التوبة. وكذلك الندم على ما سلف ومضى منه، فالتوبة إن لم تصاحبها هذه الكسرة وهذا الندم على ما فعل وعلى قبيح وجرم ما اقترفته يداه، فهذا يدل على أن توبته لم تكن صحيحة سليمة. فبقدر ما تعظم الجناية في قلب العبد، بقدر ما يكون الندم عليها عظيمًا. والندم لا بد من أن يتضمن أمورًا، من اعتقاد قبح ما ندم عليه ثم بغضه وكراهته، ثم الألم الذي يلحقه عليه، ويكون ذلك ويترجم بإدمان البكاء على ما سلف من الذنوب وبالإكثار من الحسنات والاطراح بين يدي الله سبحانه وتعالى ندمًا واستغفارًا كي يذهب السيئات، فلا بد من إذاقة البدن ألم الطاعات كما ذاق حلاوة - بل مرارة - المعصية. ثم يخاف من الوقوع فيها ويرجع إليها، فيبتعد عن كل أمر يقربه منها ويفعل كل أمر يبعده عنها. فينبغي أن يهجر إخوان السوء، وأن يلازم أهل الخير، ويهجر أماكن السوء وأرض المعاصي ما استطاع. ثم الشرط الثالث وهو الإقلاع عن الذنب في الحال، فتستحيل التوبة مع مباشرة الذنب. وأما الاعتراف بالذنب على وجه الخضوع لله من غير إقلاع عنه، فهذا في نفس الاستغفار المجرد الذي لا توبة معه. فلا بد للإقلاع من أن يتضمن ترك الذنب في الحال، وترك الذنب لله وليس لأمر آخر، ثم الاعتراف بالذنب وإظهار الضعف والمسكنة، لأن المسلم حينما يستغفر ويتوب إلى الله بدون إقلاع فهذا استغفار - كما قال العلماء - الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين. والتوبة والإصرار ضدان لا يجتمعان، فلا بد من ترك الذنب وهو مستحضر أنه أغضب الرب سبحانه. وإغضاب الرب يجب أن يجعل في قلبك ندمًا وحسرة على ما فرطت في حق نفسك وأن تعزم ألا تعود إلى مثل ذلك في المستقبل، وإلا لم تكن التوبة توبة نصوحًا مقبولة. أخيرًا أن ترد الحقوق إلى أصحابها، فلا تصح التوبة من المظالم - مظالم العباد - إلا بأداء الواجب، والعزم على أن يؤدي هذه المظالم في أعجل وقت وأسرعه. هذه هي شروط التوبة باختصار، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنحنا العلم التام والإخلاص التام في صدق توبتنا واستغفارنا له سبحانه وتعالى، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين


رابط إضافي للتحميل

تعليقات