من حقائق الصيام 11
من حقائق الصيام 11
للشيخ فواز أحمد إزمرلي
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف مخلوق خلقه الله، محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أيها الأحباب الكرام، من حقائق الصيام - وهو العبادة العظيمة التي انتظمت جميع الإنسان - أنه من أهم مظاهر العبادة، وهو فرصة لتعظيم الصائم وتكريمه بما يتعبد الله به. فمن خلال الصيام يدرك الصائم عظمة الخالق فيعبده حق العبادة، وحينما يعبد العبد ربه يُكرم من الله ويُعطى القيمة والوزن من الله، كما قال تعالى: ﴿قُلْ ما يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لولا دُعاؤُكُم﴾. فلا قيمة للإنسان ولا وزن له إلا بقدر ما يتعبد ربه بذلك، فوزن المؤمن ومكانته وكرامته عند الله بمقدار عبادته وخضوعه لله. وقد أكرم الله سبحانه وتعالى الصائم بأمور عديدة، منها فوائد ومنها فضائل ومنها ثمرات، وهذا الإكرام يتجلى في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة، فلذلك انتظم الصيام الإنسان كله دنيا وآخرة. أما الإكرام في الدنيا فمنه أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وخُلوف الفم - أو خَلوف في الفم - هو رائحة ما يتصاعد منه من الأبخرة لخلو المعدة من الطعام بسبب الصيام، وهي رائحة مستكرهة في مشام الناس في الدنيا ولكنها طيبة عند الله حيث أنها ناشئة عن طاعته وابتغاء مرضاته. فإذا كان هذا الخلوف أطيب عند الله من ريح المسك، فما بالكم بمقدار عظمة الصيام عند الله وقبول صيام العبد عند الله وإرضاء الله للصائم. فلذلك هذه عينة بسيطة من الإكرام، فلذلك الله سبحانه وتعالى عوض المؤمنين الصائمين الذين يحرصون في غير أوقات الصيام على نظافة فمهم وعلى طيب رائحته بالتسوك الدائم والتعطر الدائم، ربنا عوضهم بخلوف فمهم إرضاء له بأن طيب قلوبهم هذا التطييب بأن هذه الرائحة المستكرهة عند الناس هي أطيب عند الله من ريح المسك، والجزاء من جنس العمل. ومن هذا الإكرام أيضًا أن الله أعلى شأن المؤمن الصائم الذي ترك شهوته وطعامه في نهار رمضان، حيث قال: ((يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي))، فلما قصد المؤمن ذلك إرضاء الله بطاعته أعلى الله شأنه وأذاع إكرامه بهذا الحديث تطييبًا أيضًا لخاطره وإظهارًا لمحبته لهذا الصائم، حيث أن الله سبحانه وتعالى جعله يتشبه بالملائكة في قسم من النهار، والملائكة هم كرام عند الله فالمؤمن لما يتشبه بالكرام يكون كريمًا. أما الإكرام في الآخرة فحدث ولا حرج، أولاً: أن الله خص الصائمين بباب يدخلون الجنة منه، ((إنَّ في الجَنَّة بابًا يُقالُ له: الرَّيَّانُ، يدْخُلُ مِنْهُ الصَّائمونَ يومَ القِيامةِ، لا يدخلُ مِنْه أَحدٌ غَيرهُم، يقالُ: أَينَ الصَّائمُونَ؟ فَيقومونَ لا يدخلُ مِنهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فإِذا دَخَلوا أُغلِقَ فَلَم يدخلْ مِنْهُ أَحَدٌ)). فالريان باب من أبواب الجنة يختص بدخول الصائمين منه، وهو اشتق من الري، وهو مما وقعت المناسبة فيه بين لفظه ومعناه، لأنه يناسب حال الصائمين الذين أظمأوا نهارهم في الدنيا بأن يرويهم الله سبحانه وتعالى فلا يظمأون عنده أبدًا. من إكرام الله في الآخرة للصائمين أن يهبهم فرحة عند لقاء الله، فرحة لا يعرف معناها وقدرها مع البشارات إلا الله سبحانه وتعالى. وأيضًا من الإكرام أن الصيام يأتي فيشفع للصائم في قبره، فيقول للملكين: إنه كان يظمأ في النهار من أجل الله، فيمنعان المؤمن من أن يتحصل على عذاب. وهناك أنواع من الإكرام عظيمة، ولكن لعل هذه بعض صورها التي نستشف منها مدى هذا الاكرام الذي يحظى به الصائم عند الله. فلا ينبغي للصائم أن يستهين بصيامه، ولا ينبغي له أن يستسهل هذه العبادة، بل عليه أن يعظمها ويعرف قدرها ويحاول أن يؤديها بإحكام أبوابها على الوجه الذي يحب الله ويرضى، حتى ينال العقبى في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة. أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يتقبل منا وأن يجعلنا عنده من المرضيين المقبولين، إنه سميع مجيب
رابط إضافي للتحميل
تعليقات
إرسال تعليق