وظائف شهر الله المحرم
وظائف شهر الله المحرم
مقطع للشيخ فواز أحمد إزمرلي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد أيها الأحباب الكرام، فنحمد الله سبحانه وتعالى، هذا الرب العظيم الذي خلق فسوَّى وأسعد وأشقى وحلل وحرَّم. سبحانه الذي قدَّر فهدى وقضى فأمضى، فلا ناقض لما حكم وأبرم. سبحانه وهب فأغنى، وأعطى وأقنى، وأتحف وأكرم، ومَنَّ وتطول وأنعم وتفضل، فمن فضله وإنعامه ومن رحمته بعباده أن جعل في أزمنته مواسم للخير يجتهد فيها العباد في الطاعة. فجعل الله مواسم للاجتهاد في العبادة ومغنمًا لاكتساب الزهاد ومَعلمًا لقبول توبات العباد، ومن هذه الأيام المعظمة: شهر الله المحرم، فالعمل فيه أجره معظم. فطوبى لمن كان فيه من القانتين، وفوزًا لمن أقلع فيه فكان من التائبين، لأنه شهر التوبة وشهر الشكر كما سيأتي معنا. فسبحانه ما أوسع عفوه وأسبغ فضله وأحلم، سبحانه وتعالى. فنحمده على ما أولانا به من العطايا، ونشكره على ما أسدانا به من الهدايا التي منها دخول الأوقات الفاضلة على البرايا، ليفيض من بركاتها على من يشاء ويعلم. فاللهم لك الحمد، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، الواحد الأحد المعبود الواجد الماجد، ذو الكرم والجود، الخالق الرازق المدبر لهذا الوجود، حكمة بالغة تبهر العقول فيما دبر وأحكم، سبحانك يا رب.
أيها الأحباب الكرام، شهر الله المحرم من الأشهر الحرم التي خصهن الله بالذكر في كتابه، حتى أنَّ أهل الجاهلية كانوا يعظمونه، فقال الحسن وغيره: أفضل الأشهر الحرم شهر الله المحرم. وقال الحسن: إنَّ الله افتتح السنة بشهر حرام وختمها بشهر حرام، فليس في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرم.
وكان يسمى شهر الله الأصم من شدة تحريمه، وقد نسب هذا الشهر إلى الله وأضيف إلى الله، وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله فإن الله لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصيام بعد رمضان صيام شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)). وأفضل شهر الله المحرم عشره الأول، فقال أبو عثمان النهدي: كانوا يعظمون ثلاث عشرات - من الأيام - العشر الأخير من رمضان والعشر الأول من ذي الحجة والعشر الأول من المحرم. وقد قيل أنه العشر الذي أتم الله به ميقات موسى عليه السلام، وأن التكلم مع ربه وقع في اليوم العاشر. وهذا الشهر العظيم - الذي هو من الأشهر الحرم - شهر فيه يغفر الله الذنوب ويعتق الرقاب ويعفو عن السيئات، فهو شهر التوبة، تاب الله فيه على آدم وعلى قوم يونس، ونجى موسى وأهلك فرعون. فهو شهرٌ مُعَظم.. شهرٌ محرَّم.. شهرٌ أصَم، فلذلك ينبغي على المسلمين أن يحافظوا على الوظائف التي هي لهذا الشهر والتي دلنا عليها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ومن وظائف هذا الشهر: الصوم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم)). صيام شهر الله المحرم، فافتتاح هذه السنة بالصوم - الذي هو من أفضل الأعمال - حتى تكون فاتحة السنة على خير وعلى ضياء وعلى نور. فلذلك هذا الشهر - كما قلنا - شهر مختص مضاف إلى الله: شهر الله المحرم، والصيام أيضًا هو مختص بالله مضاف إلى الله، فكما قال ربنا سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: ((الصيام لي))، فناسب أن يختص هذا الشهر المضاف إلى الله بالعمل المضاف إلى الله وهو الصيام؛ فلذلك ينبغي على المسلمين أن يكثروا من الصيام في هذا الشهر المبارك الكريم.
كذلك من وظائف هذا الشهر: التوبة، كما روي في حديث علي: ((وفيه يوم تاب قوم ويُتاب على آخرين))، فهو شهر التوبة وشهر الإقبال على الله. فيفتتح الإنسان عامه بالتوبة وهي وظيفة العمر، حتى يمحو ما سلف من الذنوب في الأيام الخالية.
وكذلك من وظائف هذا الشهر الكريم: محاسبة النفس، فمرور الأيام والشهور مدعاة المؤمن العاقل أن يقف مع نفسه وقفة تأمل وأن يحاسبها عما مرَّ وأن يحاسب نفسه ماذا فعل في تلك الأيام السالفات، لأن كل يوم يمر عليك - أخي الحبيب - يقربك إلى الله الرب العظيم. لذلك قال الفضيل بن عياض لرجل: كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة. قال له: أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله يوشك أن تصل.
وقال بعض أهل الحكمة: كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره؟! كيف يفرح من يقوده عمره إلى أجله، وحياته إلى موته؟! فهذا العمر وهذا الوقت هو أمانة في أعناقنا، والله سيحاسبنا عن كل لحظة تمر ماذا فعلنا فيها. وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدما عبد حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه)).
ثم نختم هذه الوظائف بالشكر لله - سبحانه وتعالى - بأن مدَّ أعمارنا من أجل أن يوفقنا إلى التوبة ونحسن العبادة ونزداد من التقوى والذكر والصلاة والتسبيح، لأن الله - سبحانه وتعالى - إذا مدَّ في أعمارنا ووفقنا للطاعة فهذا من علامات الخير المراد بنا. فلنفتتح - أيها الأحباب الكرام - عامنا الهجري الجديد بصيام وضياء وتوبة واستغفار وشكر حتى ينسحب النور والضياء إلى بقية العام، لنفتتح هذا العام بالتوبة الصادقة النصوح ولنعاهد الله - سبحانه وتعالى - على عبادته وتوحيده والتقرب منه وليرى صدقنا وإخلاصنا من قلوبنا، فهذا الإخلاص هو علامة النجاة وعلامة التوفيق وعلامة القبول. ولنحذر الظلم والمعاصي في هذا الشهر، لأن الأعمال في هذه الأشهر الحرم مضاعفة، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر، كما قال تعالى: ﴿فلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُم﴾؛ والظلم يشمل كل المعاصي. فلذلك ينبغي على المسلم أن يتحفظ في هذه الأشهر الحرم من أن يرتكب المعاصي ومن أن يرتكب الظلم ومن أن يعتدي على حدود الله سبحانه وتعالى، وخصوصًا في هذا الشهر الكريم، هذا الشهر الأصم. لذلك قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: تحفظوا على أنفسكم فيها واجتنبوا الخطايا، فإن الحسنات فيها تضاعف والسيئات فيها تضاعف.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقنا وإياكم جميعًا لطاعته في هذا الشهر المبارك الكريم وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه سميع مجيب.
رابط إضافي للتحميل
تعليقات
إرسال تعليق